وأد البنات بين الماضي والحاضر
من روائع رويدة الدعمي
قال تعالى : ( وإذا الموءودةُ سُئِلت ، بأيّ ذنبٍ قُتِلت ) سورة التكوير - آية ( 8 ،9 )
لقد جاء الإسلام لينتشل الناس من دياجير الظلام الى ميادين النور والضياء ..
جاء الإسلام ليمنع وأد البنات وقتلهن من غير ذنب .
يقول تعالى : " وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مس وداً وهو كظيم " ! كل هذا كان يحدث في زمن الجاهلية ، الزمن الذي سبق ولادة سيد الكائنات ( صلى الله عليه وآله ) .
أما اليوم وقد تلألأ نور الإسلام فأصبح له عَلََم وراية في كل بقعة من هذا العالم .. فها نحن نتساءل : هل انتهى عصر دفن البنات وهنَّ أحياء ؟! وللأسف أخي القارئ نقول ظاهراً نعم انتهى ، ولكن واقعاً فما زالت توأد في كل يوم عشرات البنات وخاصة في مجتمعنا الشرقي الملتزم !!
في إحدى المرات التي كنت أرافق فيها والدتي " رحمها الله " في المستشفى جذبني منظر احدى المريضات وهي ترقد في سريرها كالملاك ! كانت ملامحها توحي على البراءة والطفولة ..
سألتُ والدتها : ما بها ابنتكِ .. هذا هو اليوم الثالث الذي أراها فيه وهي لا تزال فاقدة للوعي ؟
قالت الأم وكانت تبدو عليها علامات الترف والغنى : إنها حاولت الانتحار بشرب مادة سامة .
سألتها بدهشة : وكم عمرها ؟!
- أربعة عشر عاماً !!
سألتها بدهشة أكثر : تريد الانتحار وهي بهذا العمر ؟
صارت الأم تبكي وهي تقول : الخطأ خطأي .. أنا من قدتها إلى فعل ذلك الأمر ، لقد منعتها من إكمال الدراسة رغم انها كانت ذات مستوى جيد جداً !
- ولكن ما السبب الذي دفعكِ الى ذلك ؟!
-لقد رأيت انها وصلت الى مرحلة من المعرفة لا تحتاج بعدها إلى إكمال الدراسة !
- وهل المعرفة تقف عند حد معين ؟
ألم تسمعي قول الشاعر :
قل للذي يدعي في العلم معرفة ً *** عرفت شيئاً وغابت عنك اشياءُ !
ثم ان وقتنا يا أختاه هو وقت التطور العلمي الا تنظري الى دول الغرب اين وصلت بعلومها ومعارفها ؟ وفي الحقيقة هي علومنا نحن ومعارفنا نحن لكنهم عرفوا كيف يأخذونها ويستغلونها لصالحهم أما نحن فما زلنا نفكر في وأد البنات وقتلهن !
قالت : معاذ الله ! أنا لم أقتلها !
قلت : لكنكِ دفعتيها لتقتل نفسها !
ثم هل الحياة تعتبريها ( حياة ) إذا كانت تخلو من العلم والمعرفة ؟
قالت وهي تريد ان تبرر موقفها : لكن ابنتي أصبحت قادرة على تعلم القراءة والكتابة ..
- وهل الأمر ينتهي الى هنا ! ومستقبلها ؟ فأنتِ ترين زماننا هذا صار لا يرضى إلا بأصحاب الشهادات العالية .. هكذا صارت الحياة ! لماذا لا نريد ان ندرك هذه الحقيقة ؟ ولماذا نحن مُصرّون ان نعود الى عصر الجاهلية فنقتل بناتنا وهن أحياء ؟
اخي القارئ الكريم اختي القارئة الفاضلة هذه القصة الواقعية والتي عايشتها بنفسي قد تتكرر يومياً في مجتمعاتنا ، وانا عندما أدافع عن تلك البنت لا يعني هذا بأنني أشجع فتياتنا على الانتحار ان منعهن الأهل من إكمال الدراسة !
فقتل النفس في حد ذاته جريمة لا تُغتفر ، لذلك على الأهل وبدل ان يمنعوا بناتهم عن مواصلة الدراسة ، أن يقوموا بتوفير وسائل التوعية ( الدينية والثقافية ) وليس للبنات فقط بل للبنين ايضاً بالإضافة الى تشجيعهم على مواصلة الطريق العلمي امتثالاً لقوله تعالى ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ( اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ) وأخيراً لنتذكر جميعاً قول الإمام علي ( عليه السلام ) في تربية الأبناء في حديثه الذي له صلة وثيقة بموضوعنا هذا حيث يقول ( عليه السلام )
" لا تقسروا أولادكم على آدابكم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم " .