استرشاد بالتاريخ
من
المسائل التي تجعل فكرة معهد روكي أقرب إلى كونها مزحة من أن تكون فكرة
قابلة للتطبيق عسكريًّا، ذلك التاريخ المعَّقد لتطور الطائرات الخفية، فقبل
اختراع الرادار الذي يكتشف وجود الطائرات على بُعد عشرات الكيلومترات كانت
عملية مراقبة الطائرات تتم بالعين المجردة، وبقي الأمر كذلك إلى
الثلاثينيات من القرن الماضي، حين بدأ العلماء البريطانيون أول أبحاثهم في
هذا السياق. واستفاد البريطانيون كثيرًا من تجربة الحرب العالمية الثانية،
حيث تم الكشف عن الطائرات القادمة لضرب لندن عام 1940م قبل وصولها بمدة،
وبالتالي أخذ الاحتياطات اللازمة للمواجهة.
واستمرت
لعبة القط والفأر بين الطائرات والرادارات بعد تلك الحقبة عدة عقود،
واستخدم العلماء أنواعًا مختلفة من الدهانات والطلاء لتمويه الطائرات، إلا
أن ذلك لم يفلح بعد تطور الرادارات وتحسن إمكاناتها. ومن القصص المشهورة في
هذا المجال إرسال وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA لطائرة "يو-2"
داخل الأراضي السوفيتية بعد تمويهها بكل الوسائل المتاحة آنذاك لأغراض
تجسسية، ولكن الرادارات السوفيتية اكتشفتها وحددت مسارها بالضبط، وأدت هذه
المسألة إلى احتجاجات سوفييتية وكشف العملية على الملأ.
وجرت
بعد ذلك عدة محاولات من جانب السوفييت لتمويه طائراتهم، إلا أن المسألة لم
تفلح، ومن هنا بدأت الأبحاث تتجه في نهاية الستينيات من القرن الماضي نحو
إعادة تصميم الطائرات بطريقة تضمن عدم عكسها للإشعاعات المرسلة من قبل
الرادار نحو الأرض. وكانت الفكرة كما يشرحها المهندس "آلان براون" من شركة
لوكهيد التي تولت عمليات التطوير هي: "إنتاج أسوأ هوائي لاسلكي، ثم جعله
يطير في الفضاء".
وأسفرت
الأبحاث المضنية عن إنتاج أول طائرة خفية لدى شركة لوكهيد، لقد كانت
بالنسبة لمهندسي التصميم أشبه ما تكون بالمسخ المشوه، فجسمها لم يكن أملس
بل مليئًا بالأخاديد، وأجنحتها ذات زوايا حادة مائلة للخلف، وبالكاد
استطاعت الطيران فوق الأرض. ولكن من حيث المعايير الأخرى فإن الرادار لم
يستطع أن يراها إلا بحجم طائر صغير بالرغم من أن وزنها كان يتجاوز الستة
آلاف كيلو جرام.
الفكرة
الأساسية التي كانت وراء ذلك النجاح المبدئي هي قدرة جسم الطائرة المشوه
على تشتيت الأشعة المنبعثة من الرادار في كافة الاتجاهات، وبالتالي عدم
قدرة الرادار على التقاط انعكاسات بحجم تلك الأشعة الصادرة.
وتمثل
طائراتا "F-117 " و "B-2 " أول طائرتين خفيتين تم إنتاجهما فعليًّا عام
1980م، وتعتمدان المبدأ نفسه؛ حيث يقوم سطحهما العلوي والسفلي المائل
بتشتيت أشعة الرادار إلى اتجاهات مختلفة، وتساهم الحواف الحادة في زيادة
تشتيت الأشعة القادمة من الرادار، وبالتالي ضمان عدم عودة تلك الأشعة إليه.
ولكن
لأن التكنولوجيا تأكل بعضها، فإن أبحاث معهد روكي تأتي في سياق لعبة القط
والفأر بين الرادارات والطائرات الشبحية، ومن الممكن أن تكون الفكرة قابلة
للتطبيق خلال السنوات القادمة، وعندئذ علينا انتظار الفكرة الجديدة التي
سترد بها الطائرات على الرادارات.
وتجدر
الإشارة إلى أن الرادارات قد سجَّلت نجاحًا عبر فكرة متطورة أخرى سبقت
فكرة معهد روكي، وتسمَّى بالرادار متعدِّد المواقع. ففي حين يكون جهاز
إرسال الإشارات وجهاز استقبالها في الموقع نفسه في الرادار التقليدي، فإن
جهاز الإرسال يكون منفصلاً تمامًا عن جهاز الاستقبال، وهنا يمكن لهذا
الرادار التقاط أشعة منعكسة أكبر من الطائرة الشبح التي تحلق في الأجواء،
وبالتالي تحقيق رؤية أكبر بالنسبة لتلك الطائرة.
إنه
صراع مستمر بين التكنولوجيا والتكنولوجيا المضادة، وهدفنا من إيراد هذا
الموضوع، بالإضافة إلى الاطلاع على الأفكار المتطورة في هذا المجال، إدراك
أن التقنية برغم تعقيداتها وتكلفة أبحاثها فإنه بالإمكان مواجهتها بتقنية
بسيطة عبر استخدام الموارد المتاحة .
تكنولوجيا التخفي :
Stealth technology
تعتبر أعمال و كتابات عالم الفزياء و الرياضيات الروسي Pyotr Ufimtse.
هي حجر اساس هذة الفكرة ولعل من أهم كتاباته أو لنقل المؤلف الرئيسي في هذا المجال هو بحثه المعنون ب: Method of edge waves in the physical theory of diffraction. الحقيقة لم تلقى أبحاث أوفيمتساف اهتماما كبيرا في حقبة النظام السوفياتي السابق و لم يكن
حتى هو نفسه يعلم أن بحوثه كانت حجرة الاساس في تصميم الطائرات الخفية .