الطفل العراقي .. والحكاية الشعبية
جاسم محمد صالح / كاتب عراقي ـ بغداد
يمثل العراق حالة متميزة وفريدة، في انه اغنى بلدان العالم ثراءً في الموروث لشعبي ، حتى ان هذه الحكايات والقصص التراثية الشعبية سافرت الى كل بلدان العالم لأهميتها وعمق مدلولها ومضمونها ودخلت تقريباً في آداب جميع الامم، وهذا ان دل على شيء فأنه يدل على المستوى الراقي الذي وصلت اليه الحضارة في العراق في عصوره المختلفة.. والى يومنا هذا نرى كثيراً من الحكايات العراقية القديمة يتداولها المؤلفون والكتاب وان صبغوها بألوان بلدانهم الا ان شكلها ومضمونها يبقيان على حالهما ، فيهما رائحة العراق بامتدادات عصوره المختلفة، وقصص الكاتب الدنماركي هانز كريستان اندرسن تدل بوضوح على ذلك، ناهيك عن ان الحكاية الشعبية والموروث من مثل وعبارة وحادثة هي الاخرى انتقلت الى الدول العربية الاخرى وبقيت الجذور العراقية متأصلة فيها، ومن يقرأ كتاب (الحكايات الشعبية في اللاذقية) لمؤلفه احمد بسام ساعي يرى الجذور العراقية واضحة في معظم حكاياته ومثله (الحكاية الخرافية) لمؤلفه (دير لاين) .
ان مسألة الاستفادة من الحكاية الشعبية في تربية الطفل، ليست حديثة العهد، فلقد جرت من قبل بعض المحاولات التي استهدفت هذا المجال، وأكدت بشكل لا يقبل الشك ان التراث الشعبي لأية امة من الامم ولا سيما امتنا العربية يعد خير مصدر لاستلهام كثير من الاعمال الادبية الراقية والهادفة التي تصلح لأن تكون نماذج تربوية للأطفال ، وذلك راجع لكثير من الاعتبارات ومنها:
ـ ان التراث الشعبي العربي اصيل بشكله ومضمونه، وإنه اقرب الاشياء إلى نفس الانسان ولاسيما الاطفال منهم.
ـ إنه تراث لكثير من الاحداث والحركات والانفعالات فضلاً عن امتلاكه خطاً درامياُ لا مثيل له، يأسر القلوب ويشد الانفس ويواصل الانجذاب .
لقد شهدت الساحة الثقافية في العراق في اواخر القرن الفائت محاولات كثيرة وجادة لجمع التراث الشعبي العراقي وتدوينه وربما لإعادة صياغته وتقديمه بشكل اكثر عقلانية وتوافقاً مع عقلية الطفل وقابليته على القبول والقناعة.. ولاسيما ان بعض هذه الحكايات الشعبية تعَد فيما إذا شذبت وهذبت دروساً تربوية ذات مدلول ومغزى ، يتوافقان كلياً مع متطلبات العصر الذي نعيش فيه ، وإن اي عمل من هذه الاعمال يحتاج الى كثير من الجهد والاهتمام والحذر ذلك ان الحكاية الشعبية في نصها الاصلي ربما (تحتوي على عناصر سيئة وهذه اذا تركت من غير اصلاح او تهذيب وإشراف عليها فربما كانت عاملا سيئا في تربية الطفل، لأن المعلومات والحوادث التي تتضمنها هذه القصص تؤثر في تكوين الطفل العقلي والخلقي وفي ذوقه وخياله) .. كما جاء في كتاب ( القصة في التربية/ص10) (وحري بنا كمربيين ان نمتلك وعياً وحساً في ما يقدم، لأن اية معلومة يتقبلها الطفل من الصعوبة بمكان ان تزال من ذهنه بسهولة) هنا تكمن اهمية عنصر الحذر الشديد من قبل الآباء والمربيين مما يقدم إلى الطفل من حكايات شعبية غير منقحة، لأن في ذلك اضراراً كبيرة وخطورة تؤثر بشكل أوبآخر في نفسيته وسلوكه، حيث تقول الدكتورة ( ألفت حقي ) ان الثقافة التي يعرضها المجتمع على الطفل، يأخذها الناشىء على علاتها لهذا تكون مهمة العطاء حرجة وخطرة في الوقت نفسه... فقد تتدخل احداث الحكايات وابطالها تدخلا سلبيا في سلوكه وتوجهه التربوي. وتقع على عاتق الاديب القاص مسؤولية تربوية كبيرة في فهم نفسية الاطفال اولاً ومعرفة الابعاد التربوية والاجتماعية والخلقية ثانياً مما يؤدي به إلى فعل متميز في غربلة هذه الحكايات الشعبية واختيار الجيد منها ليقدمها للإطفال بعد ان يصوغها بأسلوب ادبي راق ٍ ويحذف منها كل ما هو غير ضروري ، ويضيف اليها من خياله الخلاق اشياءً ضرورية اكمالاً للتوجه التربوي المنشود الذي لابد ان يُقدَم للأطفال بشكل تربوي هادف...