يعد موضوع حرية الصحافة واستقلال الصحافيين في بلداننا العربية أمر شائك، وبات الموهوب الذكي الذي لايستطيع أن يفر بذكائه وموهبته الى بلد يحترم أفكاره التي يستنبطها من خبرته الطويلة في مجال الصحافة يضطر بالتالي الى العمل في مؤسسات منغلقة حول نفسها ومتزمتة برأيها تحتم عليه أن يتحول مع مرور الزمن الى ببغاء دون أن يشعر بذلك، فأن بيئة العمل المطلوبة غير موجودة في بلداننا وأن ذكاء الفرد وإنجازاته ستكون مقابل أمرين.
إما أن يعاقب مهنيا على طريقة أستقلاق أفكاره المهنية وذلك بأن يمنع من العمل أو يعمل وهو غير مقتنع بعمله مما يخرج عمله أعرج وعليه فقط أن يسخر قدراته لعبور إسترايجية أو رؤى المؤسسة التي يعمل لصالحها، وأما أن يعاقب اجتماعيا كما حدث مع أحد الزملاء عندما كتب موضوعا تطرق فيه لأسم أحد الأشخاص مما عرضه ذلك لمشكلة اجتماعية أدت بالمحصلة الى تهديد ووعود بالانتقام إلى أن قام بدفع فدية نتيجة حرية رأيه الذي دفع ضريبته، وبالتالي أخاف هذا الأمر الكثير ممن حوله من الصحفيين، أما من أستطاع أن يضع عقله في حقيبته ويهاجر، فهو أصبح صحافيّ متحرر، ومن يبقى منضويا تحت رحمة محنطي المواهب سيبقى عرضة للتخلف في عمله.
بالرغم من هذه المشاكل إستطاع بعض الصحافيين أن يكسروا عقدة العنصرية أو الخضوع الى حد ما أمام ما يجري من سياسات ضيقة، فأن الصحافي الناجح عليه أكتساب المهارات عبر التغير والتطور والاستمرارية في العمل. وأن الصحافيين هم أبطال الحقيقة التي يستقصونها عبر الأبواب الموصدة.
فهناك الكثير منهم تعرضوا للاعتقال والقتل نتيجة أخلاصهم في العمل بالرغم من معاناتهم في كشف الحقيقة وايصالها الى الجمهور، ان مايحتاجه الصحافي من مواقف صلبة وتكوين شخصية صادقة لايستطيع أن يعمل في مؤسسات تكبت الحريات وتشيع الطاعة العمياء لمدراء يزجون أنفسهم في ما لايعنيهم ولامن أختصاصهم، فالدقة والحركة الجريئة والقلم السيال في سرد الحقائق من متطلبات العمل الصحافي وهذا ما لايقدر عليه الكثير من مسؤولي المؤسسات الاعلامية. ولذلك نجد هناك معاناة كبيرة داخل المؤسسات في تأثيرها على الجمهور بسبب مضايقة الصحافي في عدم أعطائه فرصة بإدارة عمله عبر رؤيته الخاصة وانتقائه للموضوعات المثيرة وتجنب الممل منها والتي لاتحمل إثارة، فالصحافي ينبغي أن يكون العنصر الآخر للجمهور الذي يتابع الحدث، وهذا ما لانجده في بعض مؤسساتنا الاعلامية في العثور على المعلومة التي تحظى باهتمام الرأي العام، عبر الدقة والسرعة والأسلوب المتوازن والصادق.
فحرية الصحافة هي الضمانة التي تقدمها المؤسسات المعنية لحرية التعبير والتي تكفلها وفق المواثيق الاعلامية. لتشمل هذه الحرية جمع المعلومات ونشرها.
أما دوافع هذه المؤسسات المتخندقة حول نفسها فهي تريد للصحافي المستقل عدة أمور.
- أن ينصاع لذهنية بعض المدراء الذين يملؤون وسائلهم الاعلامية بمواد لا تتناسب مع أخلاق المهنة.
- إرغام الصحافي على قبول وسماع وجهة نظر المؤسسات المعنية دون نقاش أو رأي، وتكتفي المؤسسات بأن تجعل الصحافي مسخرا لها.
- تشويه صورة الصحافي ووصفه بالتخلف عن طريق التذرع بالدين أو بأسم حزب ما.
- الحذر من الصحافي وإخفاء المعلومة عنه، أو أعطاءه الأخبار التي تحمل الصفات الإيجابية فقط عن تلك المؤسسات.
- تسقيط الصحافي عبر نشر الافتراءات والاكاذيب.
- يعمد بعض المسؤولين الى أن تكون إجابتهم على أسئلة بعض الصحافيين عن طريق استقبالها والإجابة عليها عبر المكتب الاعلامي دون مواجهة الصحافي.
هذا جزء مما يلاقيه الصحافيون المبدعون اليوم وعليه ينبغي على المؤسسات المعنية أن تجد حلولا لما يمرون به من مآس من أجل أن يستمروا في أداء رسالتهم وإيصالها الى المجتمعات.